وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُلُوبَ ثَلَاثَةٌ :
قَلْبٌ خَالٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْخَيْرِ فَذَلِكَ قَلْبٌ مُظْلِمٌ قَدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ إلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ اتَّخَذَهُ بَيْتًا وَوَطَنًا وَتَحَكَّمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ غَايَةَ التَّمَكُّنِ .
الثَّانِي : قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَأَوْقَدَ فِيهِ مِصْبَاحَهُ ، لَكِنْ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ وَعَوَاصِفُ الْأَهْوِيَةِ ، فَلِلشَّيْطَانِ هُنَاكَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ ، وَمُجَاوَلَاتٌ وَمَطَامِعُ ، فَالْحَرْبُ دُوَلٌ وَسِجَالٌ .
وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ هَذَا الصِّنْفِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَتِهِ لِعَدُوِّهِ أَكْثَرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَةِ عَدُوِّهِ لَهُ أَكْثَرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَارَةً وَتَارَةً .
الثَّالِثُ : قَلْبٌ مَحْشُوٌّ بِالْإِيمَانِ ، قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الْإِيمَانِ ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الشَّهَوَاتِ ، وَأَقْلَعَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلُمَاتُ ، فَلِنُورِهِ فِي صَدْرِهِ إشْرَاقٌ ، وَإِيقَادٌ لَوْ دَنَا مِنْهُ الْوَسْوَاسُ لَأَدْرَكَهُ الِاحْتِرَاقُ ، فَهُوَ كَالسَّمَاءِ الْمَحْرُوسَةِ بِالنُّجُومِ ، فَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ وَلَا هُجُومٌ ، وَلَيْسَتْ السَّمَاءُ بِأَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّتِي حَرَسَهَا بِالنُّجُومِ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ .
فَكَمَا أَنَّ السَّمَاءَ مُتَعَبَّدُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ وَمُسْتَقَرُّ الْوَحْيِ السَّدِيدِ ، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ مُسْتَقَرُّ التَّوْحِيدِ ، وَالْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَجِيدِ ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يُحْرَسَ وَيُحْفَظَ وَيُبْعَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَيُدْحَضَ ، قَدْ امْتَلَأَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَمُرَاقَبَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ .
فَأَيُّ شَيْطَانٍ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الْقَلْبِ ، وَإِنْ أَرَادَ سَرِقَةَ شَيْءٍ مِنْهُ رَشَقَتْهُ الْحَرَسُ بِنَبْلِ الْيَقِينِ ، وَسِهَامِ الدُّعَاءِ ، وَمَنْجَنِيقِ الِالْتِجَاءِ ، وَسُيُوفِ الْمَحَبَّةِ وَالْقُرْبِ ، وَرُبَّمَا ظَفِرَ مِنْهُ بِخَطْفَةٍ يَخْطَفُهَا أَوْ شُبْهَةٍ يَقْذِفُهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْعَبْدِ وَغَيْرَةٍ فِيهِ فَيُشَبِّهُ لَهُ وَتَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْكَرَّةُ ، لِأَنَّهُ بَشَرٌ ، وَأَحْكَامُ الْبَشَرِيَّةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ .
فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ .