بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق بين العالم كافرق بين سنبلتين الأولي خالية من الحب فهي ليست نافعة وهي واقفة وشامخة وجلية واضحة والثانية ممتلئة بالحب فهي مفيدة وكلما إزداد نفعها كلما إقتربت من الأرض وإزدادت إنحنائاً
قال علي رضي الله عنه(العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو علي الإنفاق والمال تنفصه النفقه العلم محكوم عليه ومحبة العلم دين يدان بها العلم ويكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته وصنيعة المال تزول بزواله مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون مابقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة وقال الرسول صلي الله عليه وسلم(من سلك طريق علم سهل الله له طريقا إلي الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن السموات والأرض والحوت في الماء لتدعوا له
وقد قال معاذ بن جبل
(تعلموا العلم فإن تعلمه خشية وطلبه عبادة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة والدليل علي الدين والمصبر علي السراء والضراء والوزير عند الأخلاء والقريب عند الغرباء ومنار سبيل الجنة يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة سادة يقتدي بهم أدلة علي الخير تقتص آثارهم وترمق أفعالهم وترغب الملائكة في خلتهم لأن العلم حياة القلوب من العمي ونور يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلي والتفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته بالقيام به يطاع الله عز وجل ويعبد وبه يوحد وبه يمجد وهو إمام والعلم تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء
الرجال بالنسبة للعلم أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فأسألوه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك ناس فذكروه ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه
(وقال مجاهد:لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)
والمقصود بالحياء هنا الخجل الذي هو ثمرة قلة الثقة بالنفس وليس الحياء الذي هو ترك القبيح والذي قال فيه الرسول(إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء) صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم وبالعلم تنفتح عين العبد علي رؤية أوضح وعلي أفق أوسع وشتان بين عالم زاده علمه تواضعا وعالم زاده علمه تيها
فكم من جاهل يمشي يصعر خده تيهاً
وكم من عالم يمسي مهيض القلب مشدوهاً
الفرق بين العالم والجاهل كافرق بين الشمس والقمر فالشمس هي التي تمد القمر بالضوء والقمر لا ينفع الشمس في شئ فهي التي أعطته جماله وبهائه وكل ما حوي من نور لذلك العالم دائما معطاء وكريم وعميق لا ينتظر الثناء والجاهل هو إنسان أخاذ متكبر فهو غافل لجهله حقيقة نفسه فالجاهل لا يعرف عن نفسه إلا الكمال المطلق فظنه ذلك لا يزيده إلا إهمال لذلك العلماء إن قالوا أنهم علماء فقد جهلوا
وقال الشاعر
من قال علمت فقد جهل علمت شئ وغابت عنك أشياء
لذلك العلماء حينما يقولوا أنهم طالبوا علم فقد تواضعوا وبقوا في عيوننا شموس في قوتهم أقمار في جمالهم وحلو حديثهم فكلامهم مفيد ومجالستهم مثمرة لذلك عليك دائما أن تحدث العقلاء بالعلم وتقبل تعقيبهم وأن لا تحدث الجهلاء به بنية الشهرة وسلب العقول فإنك إن فعلت فقد ضيعت وقتك سدي فلم تنتفع ولم تنفع وأختم بقول الشاعر مصطفي صادق الرافعي
إن المعارف للمعالي سلم
وأولي المعارف يجهدون لينعموا
والعلم زينة أهله بين الوري
سيان فيه أخو الغني والمعدم
والشمس تطلع في نهار مشرق
والبدر لا يخفيه ليل مظلم
وأخو العلي يسعي ليدرك ما أبتغي
وسواه من أيامه يتظلم
والخاملون إذا غدوت تلومهم
حسبوك في أسماعهم تترنم
في الناس أحياء كأموات الوغي
وخذ الأسنة فيهم لا يؤمن
فأصدم جهالتهم بعلمك إنما
صدم الجهالة بالمعارف أحزم